حقيقة تعدُّد المهام وتقنيات زيادة التركيز على مهمة واحدة

يعاني كثير من الأفراد من مشكلة تعدُّد المهام؛ إذ يتطلَّب تعدُّد المهام كثيراً من الطاقة الإدراكية والانتباه إلى كل مهمة على حِدة، حتى لو كانت النشاطات هي إرسال الرسائل النصية في أثناء مشاهدة التلفاز؛ إذ لا يستطيع الفرد فهم الأحداث الأخيرة؛ لأنَّه صرف انتباهه عن المشاهدة، وركَّز على كتابة الرسالة.



تثبت الأبحاث العلمية يوماً بعد يوم أنَّ تعدُّد المهام يخفض الإنتاجية؛ ومع ذلك ما زال الأفراد يتعاملون معه بوصفه خاصية أساسية لتحقيق النجاح، وخاصة ضمن مكان العمل؛ إذ يسود الاعتقاد الشائع بأنَّ الموظف عندما يعمل على مهمتين في نفس الوقت، فإنَّه يُنجز أكثر، ما يعني أنَّ إنتاجيته تزداد، كأن يُجيب على استفسار أحد العملاء من خلال إرسال بريد إلكتروني، ويُعِدُّ عرضاً تقديمياً في آنٍ معاً على سبيل المثال.

يجعل تعدُّد المهام الفرد أكثر عرضة لاقتراف الأخطاء، كما أنَّه يؤثر سلباً في مستوى الأداء، ويسبِّب تشتت الانتباه، في حين يؤدي التركيز على كل مهمة على حِدة إلى زيادة الإنتاجية، وتحسين جودة العمل، ورفع مستويات السعادة.

حقيقة تعدُّد المهام:

من المرجَّح أن يركِّز الفرد انتباهه على مهمة واحدة، ويصرفه عن الأُخرى عندما يحاول القيام بمهمتين في نفس الوقت، كأن يحاول قراءة كتاب، والتحدث على الهاتف في نفس الوقت، أو ركن السيارة في مكان مزدحم، والاستماع إلى الراديو في آنٍ معاً على سبيل المثال.

يحدث هذا الأمر لأنَّ الدماغ يواجه مشقة كبيرة في التركيز على المهام المتزامنة، وبالنتيجة ترانا نعيد قراءة صفحات الكتاب، ونطلب من النادل أن يمنحنا مزيداً من الوقت لنعيد النظر في قائمة الطعام، ونطفئ المذياع ريثما نركن السيارة.

لا ضير في تحويل الانتباه عند القيام بأعمال عادية، كالقراءة، أو الدردشة، أو مشاهدة التلفاز، ولكنَّها تصبح خطرة عند قيادة السيارة، أو ركوب الدراجة، أو المشي على سبيل المثال، فاستخدام الهاتف الجوال في أثناء قيادة السيارة يعدُّ خطراً جداً على حياة الإنسان؛ وذلك لأنَّ الدماغ يحوِّل انتباه الإنسان إلى مهمة واحدة وحسب؛ أي إلى مهمة الكتابة، أو التحدث على الهاتف الجوال على سبيل المثال، ما يجعله أقل وعياً بمحيطه، وبالنتيجة أكثر عرضة لاقتراف الأخطاء في أثناء القيادة.

يجب أن يدرك المشاة أيضاً ما يحدث حولهم في أثناء مسيرهم، وقد اختبرت دراسة أُجريت مؤخراً القدرة على التركيز عند استخدام أجهزة الوسائط المتعدُّد ة في أثناء المشي؛ إذ اختُبِرت مجموعة من الطلاب ضمن شارع افتراضي بعد تزويدهم بأجهزة ذكية وأخرى سمعية، وكشفت نتائج الدراسة زيادة تشتُّت انتباه الطلاب الذين كانوا يستمعون إلى الموسيقى، أو يرسلون الرسائل النصية، ما يعني أنَّهم أكثر عرضة لخطر الاصطدام بالمركبات في الشارع.

شاهد بالفيديو: 6 طرق لتدريب عقلك على تحسين التركيز

أهمية التركيز على مهمة واحدة:

يكون الدماغ البشري في أوج أدائه عندما يركِّز على مهمة واحدة، فعندما يركِّز الفرد انتباهه على مهمة واحدة، فإنَّه يؤديها بطريقة هادفة، ويكون أقل عرضة لاقتراف الأخطاء، ويتسنَّى له الدخول في حالة "التدفق الذهني" (وهي حالة من التركيز الحاد على النشاط الذي يؤديه الإنسان، وتؤدي إلى فقدان الإحساس بالوقت والشعور بالسعادة).

كشفت دراسة هولندية حديثة أنَّ مستوى أداء الفرد عند ممارسة لعبة "سودوكو" (Sudoku)، أو ألعاب الكلمات المخفية، يكون في أوجه عندما يركِّز على إتمام كل أحجية على حِدة، بدلاً من العمل على أكثر من أحجية في نفس الوقت، كما أفادت دراسة أمريكية أخرى بأنَّ نتائج امتحانات الأطفال تتحسَّن عندما يمتنعون عن القيام بالمراجعة، وإرسال الرسائل النصية، وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي في نفس الوقت.

يتَّضح ممَّا سبق أهمية تجنُّب تعدُّد المهام، وتركيز الانتباه على كل عمل على حِدة، وفيما يأتي:

خطوتان هامَّتان من أجل زيادة التركيز:

1. تحديد مصادر التشتت:

قد تكون مصادر التشتت في الحياة اليومية أموراً على شاكلة إرسال الرسائل النصية، أو التحدث مع الزملاء، أو إرسال رسائل البريد الإلكتروني على سبيل المثال.

يساعدك تحديد المشتتات على إيجاد طرائق لتجنبها وزيادة تركيزك، فإذا كنت تكثر من إرسال الرسائل النصية على سبيل المثال، عندئذٍ يمكنك أن تضبط هاتفك على الوضع الصامت في أثناء العمل والفعاليات الاجتماعية، وفي حال اكتشفت أنَّ زملاء العمل يتسبَّبون في تشتيت انتباهك، عندئذٍ يمكنك ارتداء سماعات الرأس والاستماع إلى بعض الموسيقى الكلاسيكية، لكي تزيد من تركيزك، وتمنع الآخرين من مقاطعتك ما لم يكن الموضوع طارئاً.

إذا كان عملك يتطلب إرسال رسائل البريد الإلكتروني، عندئذٍ يجب أن تضع جدولاً زمنياً تحدِّد فيه أوقات تفقد صندوق الوارد، وإذا وجب عليك أن تتفقد بريدك بانتظام، عندها يجب أن تتفقده بعد إنجاز مهمة كاملة، وتجيب على رسائل البريد المستعجلة في البداية.

إقرأ أيضاً: 4 استراتيجيات للتركيز على أهدافك وتجنب عوامل التشتيت

2. الدخول في حالة التدفق الذهني:

التدفق الذهني هو حالة من التركيز الحاد على النشاط الذي يؤديه الإنسان، وتؤدي إلى فقدان الإحساس بالوقت، عندما يُنجِز الفرد كل مهمة على حِدة، فإنَّ إنتاجيته تزداد من ناحية، كما تتزايد احتمالات دخوله في حالة التدفق الذهني التي تدفعه إلى الانغماس الكامل في العمل الذي يؤديه، وتؤدي إلى تعزيز مشاعر الرضى والسعادة.

يُعرَف الفنانون بميلهم إلى الانغماس في العمل الفني الذي ينجزونه لدرجة نسيان الحاجة إلى الطعام أو النوم، ولا تقتصر هذه الخاصية على الفنانين؛ بل بوسع الفرد العادي سواء كان رجل أعمال، أم ممرضاً، أم معلماً، أم رياضياً أن يدخل في هذه الحالة، وتتميَّز حالة التدفق الذهني بشعور الاندماج الكامل؛ إذ يكون انتباه الفرد مركزاً تماماً على النشاط الذي يؤديه دون إفساح أي مجال لمصادر التشتت، سواء كانت أفكاراً أم غيرها، فلا يمكن أن تتحقَّق حالة التدفق الذهني في أثناء تعدُّد المهام؛ لأنَّها تتطلَّب تركيز كامل الانتباه.

يمكنك الدخول في حالة التدفق الذهني من خلال التدرب على تركيز كامل انتباهك على المهمة التي تؤديها، يجب ألَّا تكون هذه المهمة شديدة التعقيد أو البساطة؛ لأنَّك يمكن أن تصاب بالإحباط إذا كانت صعبة، أو بالملل إذا كانت سهلة.

تساهم هذه التغيرات البسيطة في تحسين التركيز، وتخفيض مستويات التوتر، وزيادة مشاعر الرضى عند إنجاز المهمة التي تركِّز كامل انتباهك عليها، لا مثيل لمشاعر الرضى التي تنتاب المرء عندما ينجز عمله مُسخِّراً كامل قدراته؛ إذ بوسع هذه اليقظة الذهنية أن ترفع مستويات السعادة.

إقرأ أيضاً: كيف يمكننا الدخول في حالة التدفق الذهني؟

في الختام:

دعك من تعدُّد المهام، واستخدم كامل طاقاتك الذهنية، وحرِّر نفسك من مصادر التشتت؛ لتزيد من إنتاجيتك ويقظتك الذهنية، تضمن لك هذه الطريقة تحقيق كثير من الفوائد على الصعيدين الشخصي والمهني على حدٍّ سواء.




مقالات مرتبطة